Friday 8 March 2013


وتبقى انت القاسي النسى



ضاءة


بعد سنوات التقاها بعد أن غاب عنها في تعريجات الحياة العجيبة..
رأى امرأة تقبل آخر ايام جمالها وفتنتها قبلة الوداع . ورأت رجل كلل الشيب هامته فاضفي على وجهه الوسيم جاذبية..
عادت عشرات السنوات.. عندما كانت الحياة بهية وجميلة.. اتي يوم دون مقدمات
وقف أمامها وضع كمنجته علي الطاولة ،وبدون مقدمات أو سابق معرفة، وامام شلتها قال لها: تعرفين أود ان اخبرك إنك اجمل امرأة رأيتها في حياتي !
واعتقد انني احبك لاني افكر بك كثيراًً ، وعندما اراك احس ان قلبي سينفجر ،
وانه سيغمى علي..
نظرت اليه وكانت ممراحة ولطيفة وقالت له: شكرا لك وانت ايضا رجل وسيم
فالنتفق على هذا الحب..
بين ضحكات الحضور قالت له :احمل لي كتبي هذه انا ذاهبة الى السكن.. هل تظن ان الحب شئ ساهل؟؟!! يجب ان تتعب نفسك كثيراً.
وضاحكا، قبل ان يحمل الكتب الثقيلة ومعها الكمنجة.. وسارا معاً الى الداخلية هو يلهث
بحمله الثقيل وهي تمازحه..
صار هذا حاله سالها يوما لماذا هذه الشعبة؟ لماذا لا تبحثين عن دراسة كتبها اخف من ذلك؟
ردت ضاحكة لقد اخبرتك انك لن تقدر على حبي..
كان يعزف مع فنان زميلهم كان يدعوها لكل التدريبات.. ويأنبها كيف انه تحضر تدريباته وتستمتع بينما هو يحمل كتبها..
كان يجلس فى مقدمة المسرح .. ويبحث عنها بنظره وعندما تلتقي عيناه بعينيها يبستم ويبدا العزف بحيوية
و تألق..
أتت العطلة.. سافرت ثم عادت لم يعد يهتم بها كما كان قابلته يوما : سالته مالذي حدث
لماذا لم تعد تزروني؟
قال لها: من أنت لا اعرفك.
ضحكت وقالت له: هل نيستني؟
قال لها: بجدية نعم نسيتك.
من يومها صارت تناديه عندما تلتقي به يا ناسيني
وهو يرد يا ناسيك..
مرت الايام و السنين التقاها.. وفرح كثيراً وقالت له: يا ناسيني
رد عليها لم أنساك ابداً..وكل ما قلته أمام الناس رغم أنني كنت فى حالة" سطلة"
الا انه الحقيقة العارية.. ولقد كابدت كثير من الالام لابعد عنك لأني لا استحقك
فأنا يا عزيزتي صعلوك لا غير و أنت ملكة.. فعرفت قدر نفسي وتركتك
والى الان لم ار امرأة تفوقك جمالا وملاحة ومرحا.. وانا أحبك..ولم اكف يوما عن حبك..
ببقى بعدك فى الأسى
وتبقى إنت الظالم .. القاسى .. النـِّسى
أنقطع ماجد عن الحضور الى المعهد . ولم يسأل عنها رغم انها كانت اخبرته
بمواعيد امتحانها. وقررت هي ايضا ان تتجاهل وجوده كما تجاهلها.
وبالفعل لم تهتم به كثيرا و استمرت هي في حياتها العادية. تخرج مع صديقاتها و اصدقائها
الى المسرح و الندوات و السينما. ومن حين لآخر يذهبون الى جامعة الخرطوم
لحضور بعد اركان النقاش..يوما احضرت لها صديقة رسالة . وجدتها من ماجد
يخبرها انه قد حضر عدة مرات الى السكن ولم يجدها. و أخبرها انه مسافر
ويود فقط وداعها. وانه سيحضر الى السكن في الغد الساعة السادسة
اذا امكن ان يراها. نظرت الى الرسالة لاول مرة ترى خطه
خط مرتب و انيق. ووقررت ان تبقى في الغد لتراه.
في الغد حضر ماجد فى مواعيده وجدها تنتظره في الاستقبال
لم تسأله عن سر غيابه الطويل. قال لها: انه حضر ثلاثة مرات
هذا الاسبوع ليخبرها انه مسافر.. قالت له لم يخبرن احد الى ان استلمت رسالتك
ولم تسأله عن الاسابيع الفائتة التى لم يسأل عنها فيها.. وسالته هل ستبقي كثيرا في الخارج
قال لها على الاقل 6 أشهر. وجلس ساهما ينظر اليها ثم يحول نظره
سالته هل انت متضياق هنا. يمكننا الذهاب الى المعهد او الى اى مكان تختاره.
قال لها افضل ان نذهب الى المعهد. ذهبت الى غرفة التدريب معه.
جلس هو على الارض وجلست هي على الكرسي ..
سألها عن الامتحان قالت له انه مر بسلام . ثم صمت لفترة طويلة
نظرت اليه وجدته ساهما.. قالت له : ماجد اجد صعوبة في فهمك
لا أدري ماذا هناك؟
لماذا لا تتحدث ؟
قال لها: انا فقط أتيت لاراك قبل سفري.
قالت له: شكرا لك كثيرا.. فالنذهب الان.
وقفت ووقف وسبقته الى الخارج .طيلة الطريق كان الصمت ثالثهما
عندما وصلت الى السكن مدت يدها له مصافحة استبقى يدها
قليلا وعجز ان يقول شئ سحبت يدها من يده.
استدارت لتمشي نادها: دقيقة لو سمحتي؟
…..
وأبقى فى كل المداين
سكتى .. وسفرى الجحيم
لسبب ما آمنت ان هناك شئ غريب بها يجذب اليها الرجال غريبي الاطوار..
كان لا يتحدث الى احد ،يجلس وحيدا في مقصف الطلاب، يحمل نوتة موسيقية، ويوقع بقلم على الطاولة
قربه الانغام. وعندما تجهز طلبيته، يأخذ طعامه في صمت، ويجمع أوراقه بصمت ،
ثم يمضي.. عادة لا يلتفت الى الهرج والمرج في المكان يعيش في عوالمه الخاصة…فجأة وقع نظرها عليه فجأة . و اقسمت انها رأ ت شبح ابتسامة
في شفتيه عندما التقت عيناه بعينيها.. ثم سرعان ما انزل عينيه الى النوتة..
صارت تلتقي به كثيرا في المكتبة او في الدرج ولا يعيرها انتباه او يتظاهر بانه لا يراها.. قالت لصديقتها: ماجد غريب الاطوار
ردت صديقتها غريب الاطوار هذه قليلة هو مجنون رسمي..
لاحظت انه عندما تجلس في الطاولة المقابلة اصبح يكثر من رفع راسه لينظر اليها ثم عندما تنظر اليه يتشاغل بالنوتة امامه ولكن تلاحظ اضطراب التوقيع
على الطاولة.
فقررت ان تتخذ الخطوة الاولى فقد كانت جريئة وهو جذاب…حذرتها صديقاتها منه
وقالت لها: لا تتحدث الى المجنون ولا تدعه يتحدث معك..فلا تقتربي منه.
..
وجدته في ذلك الصباح يشرب كوباً من الشاي. يجلس وحيدا بينما كل الطاولات التى حوله مشغولة سحبت الكرسي الذي امامه وجلست. فجأة تجرع جرعة كبيرة من الشاي الساخن ،و بلعها بصعوبة دفعة واحدة،. طفرت الدموع من عينيه، واندلق ما تبقى من الشاي
على النوتة ،وبهلع حاول تنظيفها ، سحبتها منه اخرجت منديلها مسحت الشاي
وأعطتها له ببساطة وقالت له : أنظر نظيفة كما كانت.
هز رأسه موافقا و ابتسم شاكراً.. ولم يرفع بصره اليها..فجأة ران صمت في كل المكان.. كلما زاد الصمت زاد احمرار وجهه.فجأة جمع نوتته وهز راسه لها محيياً
ونهض واقفاً ومشى.
يتبع
عارفني منك لا الزمن يقدر يحول قلبي عنك ولا المسافة ولا الخيال 


كانت تتدرب فى غرفة التدريب والباب موارباً..فجأة أطل رأس ماجد من فرجة الباب. وجدها تتدرب على الجيتار . دخل وجلس على الارض بهدوء جامعا
ساقيه الى صدره . لم يرفع نظره اليها وبعينين نصف مغمدتين ظل متابعا عزفها وكان يقطب جبينه من حين لآخر. وعندما فرغت وقف و تقدم نحوها بهدوء. اخذ الجيتار وضبط أوتاره ومن الذاكرة عزف المقطوعة التى تتدرب عليها
منذ شهر دون توقف بصورة بارعة جدا.. عندما فرغ نظر اليها وهى واقفة فاغرة الفاه.
بصوت خفيض قال لها عليك دائما باعادة ضبط الاوتار لانها عندما تكون مرخية
تفقد الانغام حدتها.. ثم دار حولها ومن الخلف عدل لها وضع يدها ورفع الجيتار قليلا.. ثم قال لها بصوته الخفيض في اذنها الآن حاولي مرة اخرى.راعها قربه
منها تسربت الى انفها رائحة عطر خفيف. وذهب وجلس على الارض بنفس الوضع السابق .. هذه المرة لاحظت نظافة قدميه و حزائه وتذكرت قول صديقتها ان الرجل المهذب الراقي يعرف من قدميه وحزائه..فاذا متسخات و بها تشققات
والاظافر متسخة وغير مقلمة تعرفي انه صعلوك وغير مهذب..ويجب ان تبعدي من هكذا رجال مسافة اربعين يوما.. قاومت ان تبتسم على هذه الخاطرة..
بعد ان فرغت قال لها الان احسن من المرة السابقة لاحظي دائما لوضع يدك ولا تنزلي الجيتار اقل من الوسط.. وارخي ساعدك قليلا..
في هذه الحظة اتت صديقتها استأذن ماجد..
ضحكت صديقتها وقال لها ساخرة:" بكرة بنقعد في الحيطة ونسمع الظيطة بس فضل المجانين.."
ردت ضاحكة مجنون؟ بناء على نظريتك فهو مهذب ومحترم اذ ان اظافر قدميه
مقلمة ومنظمة وحزائه انظف من حزائك..وفوق هذا وذاك معطر بكلونيا..
هل رأيت ابدا في هذا المكان اى شخص نظيف ومعطر؟
..اها ! انا قد رأيت اليوم وكسرت القاعدة..
وتضاحكتا وجمعت نوتتها و ووضعت الجيتار في الحقيبة وخرجتا…
تحرمني منك و المواعيد لا بتجيب منك تودي
عاد ماجد الى سيرته الاولي. لا يتحدث معها ويتظاهر بعدم رؤيتها حتى لو التقى بها في الدرج.. لم تعد هي تعاكسه. وذات يوم بعد الفراغ من الاوركسترا والجميع يضعون ألاتهم في محافظها ويجمعون النوّت وقع نظرها عليه وجدته ينظر اليها .
هزت رأسها محية رد التحية..تشاغلت بحمل الجيتار و خرجت متجهة الى السكن
سمعت وقع اقدام خلفها التفتت وجد ماجد وقف قربها و وهو ينظر الى الارض ويرسم دوائر بقدمه. ووجهه يتلون بين الحمرة القاتمة والابيضاض.. تنحنح مسلكا صوته ثم بصوته الخفيض سألها: هل ترغبين في حضور حفلة موسيقية في معهد جوتة لفرقة المانية زائرة؟
نظرت اليه برهة ثم قالت: اها !انت تدعوني للخروج معك بعد ان تجاهلت وجودي لفترة طويلة.؟
نظر اليها مضطربا وأدخل يده في حقيبته واخرج دعوتين منها وقال: لقد استلمت
الدعوة بالامس فقط.
قالت: ماجد انا لا اتحدث عن الدعوة انا أتحدث عن سلوكك تجاهي. لقد تجاهلت وجودي لفترة طويلة. لماذا تظن أنه سيكون لدي رغبة اذهب معك الى أي مكان؟
نظر اليها بحزن وقال لها: "عديها مسحوبة "و آسف فقط ظننت انك قد تكون لديك رغبة في هذا الحفل..
قالت له: اوكي متى سيكون هذا الحفل؟
نظر اليها طويلا ثم قال: اليوم الساعة السابعة.
قالت له: قبلت الدعوة وشكرا لك. تعرف سكن الطالبات؟
قال لها: لا لا اعرفه.
وصفت له الطريق وكيف يجد السكن فقط يسأل عنها في الاستقبال ولكن في الغالب ستنتظره في الزمن الذي يحدده في الخارج.
قال: فاليكن الخامسة و النصف .
ثم ذهبت.
في الخامسة و النص التقت به فتح لها باب سيارة (مارسيدس)
الجمتها الدهشة. وقال لها انه يجب ان يسلم كتاب الى مكتبة المعهد وقد نسى أن يأتي به سيتوقف قليلاَ في بيته ليأخذه. توقف امام منزل كبير ودخل مسرعا ثم عاد
سألته: هذا بيتكم؟
قال لها: نعم.
ثم ادار مقطوعة لباخ في جهاز التسجيل .وطيلة المسافة لم يقل كلمة واحدة.
واوقف السيارة ثم هرع خارجا وفتح لها الباب بكل ادب.
خرجت قال له اتفضلي.
في الطريق صادف امرأة المانية تحدثت معه باللغة الالمانية رد عليها باللغة الالمانية. اثار دهشتها من اين تأتي له ان يتحدث اللغة الالمانية كما يتحدث العربية.؟
سارت معه ذهب الى المكتبة سلم الكتاب. ودعاها لترى الاسطوانات
قال له: أنت لا تتحدث كثيرا.
نظر اليها ثم أردف :هل ترين ذلك؟
قالت: لا اراه بل أعيشه.
قال: لاني عادة أكون وحدي.ولذلك لا اتحدث.
الان يجب ان نذهب الى الحفل لنجد مكان مناسب.
بعد ان أنتهت الحفل في طريق الرجوع توقف امام مطعم وقال لها انتظري قليلاً.. وعاد محملاً بصناديق. عندما وصل الى السكن فتح الباب لها ثم اعطاها صندوق وقال لها هذا العشاء لم اسألك ماذا تريدين ولكن أحضرته على ذوقي.. وتصبحين على خير وشكرا للذهاب معي الى الحفل.
شكرته و ودخلت .. وهي تفكر في غرابته. لا احد يعرف عنه اي شئ. فكرة انه مجنون سادت فتوارثتها كل الاجيال التي زاملته.. وخلقت بينه وبين كل الناس سياج. رغم طيبة قلبه وتهذيبه.
خليك خليك ..على الوعد القديم
وخليني في الشجن الاليم
لم تر ماجد منذ ان تركها امام السكن.. لم تسأل عنه اذ إنه لا يتحدث مع أحد
وعندما أتي يوم الاوركسترا لم تراه أيضا . بعد الفراغ من الاوركسترا
سألت استاذه قال لها: انه قبل خمسة ايام كان يحس بحمى و رجع قبل
ان يكمل تدريباته.. قررت ان تذهب الى منزله . وترددت كثيرا ماذا سيقول
والديه اذا زارته. بعد تردد حزمت امرها وسالت استاذه انها ستزوره اذا كان هناك
شئ يود توصيله له اعطاها بعض" النوت".. ثم ركبت الحافلة و نزلت وهي تحمل النوت وجيتارها
طرقت الباب فتح لها الحارس. سالته عن ماجد قال لها :انه مريض
وتقدمها حيث صعد الدرج أمامها وطرق باب .
وفتحت الباب امرأة كبيرة في السن استنتجت انها عاملة في البيت بلهجة مكسرة
قات لها تفضلي.
جلست في الصالة. ونظرت حولها وجدتها مؤثثة بذوق راق و منظمة
لفت نظرها البيانو الكبير قرب النافذة.. وظهر ماجد يبدو عليهالاعياء
واحمر وجهه عندما رآها وقفت وحيته ومدت يدها له صافحها احست بدرجة حرارته العالية
بأعياء جلس على الاريكة. وقال لها: شكرا انك أتيت لزيارتي..
فقالت له: فقط لم اراك اليوم في الاوركسترا و سألت
استاذك قال انك مريض وارسل معي هذه "النوت."
يمكنك الان ان ترجع الى غرفتك ساذهب انا و اتمنى ان تبلغ الصحة..
قال لها: ارجوك ابقي لا تذهبي ساستلقي على الاريكة..
اتت مدبرة المنزل و قدمت لها عصير.
وجلست تشرب وهو صامت قال لها :اتودين سماع موسيقى
قالت له: نعم
قال لها :هناك مكتبة صغيرة تخيري ما تريدين
ذهبت الى المكان التي اشار اليه . وجدت مكتبة بها عدد كبير من الاسطوانات اختارت باخ
وضعت الاسطوانة على الجهاز الذي قربه رفوف بها كثير من الصور
رأت صورة بها امرأة اجنبية ورجل وسيم سوداني.. ثم صور لاطفال
وصورة لماجد وهو يبدو في بملابس المدرسة ومعه المرأة الاجنبية ثم
عدد من الصور في مراحل حياته المختلفة
وصورة وهو يحمل طفل وقربه اخته..وصور عائلية.وصورة بها ماجد وجدته
وتبدو شلوخها الافقية..
اذاً الامر انه لونه الفاتح لان أمه أوربية..
رجعت قربه وبقي هو صامتا. احست ربما هو غير سعيد بحضورها ربما هو قلق
ان يأتي والديه ولا يعجبهم ان تزوره زميلة.قالت له ألان اعود
نظر اليها بيتوسل وقال لها: لماذا لا تبقين قليلا؟
. انا سعيد بزيارتك
ولماذا لا تتناولين طعام الغذاء معي .؟. وفي العصر ترجعي الى السكن
قالت له: على رسلك
سألته متي ياتي والديك.. نظر اليها برهة
وقال لها:لا ياتي احد؟
قال له: اها هما مسافران؟
قال لها بحزن: نوعا ما.أ مي و أبي و أخي الصغير قتلوا في حادث
حركة قبل 6 سنوات. واختي مع جدتي في المانيا.
وانا وحدي هنا. تاتي هذه المرأة تبقي طول النهار وفي الليل تذهب.
هزتها مآساته ولم تدر ماذا تقول له. صمتت بعد أن همهمت
بعض الكلمات غير المفهومة..احست بحرج عندما نظرت اليه
ووجدته حزينا..
في العصر قالت له: انها ستعود الي السكن . اعطاها بعض الاوراق لاستاذه
وقال لها: شكرا لك كثيرا. وانا سعيد بهذه الزيارة..
كنت اتمنى لو استطيع توصيلك الى السكن ولكن كما ترين العين بصيرة واليد قصيرة.
شكرته وذهبت. طوال الطريق كانت تفكر في حجم مآساته في لحظة تدمرت
اسرة كانت تبدو انها اسرة سعيدة..بعد ان كان لديه اسرة صار وحيدا.
وعذرت تصرفاته الغريبة ووحدته وحديثه
القليل.. كم قاسية الحياة مع ا لبعض.وكم قاسين نحن دائما نحكم على الآخرين من خلال تجاربنا نحن ولا نجد لهم العذر.
اعيش زمان بالفرقة حارق.
بعد يومين ذهبت مرة أخرى لزيارة ماجد وجدت صحته قد تحسنت . وكان يتدرب على البيانو
قربه وبدأ في عزف السرنيد لموتزارت. نظرت الى وجهه وجدته مضيئا وممتلئا بالعواطف
لاحظت ان لا يبدو طبيعيا الا وهو يعزف ويبدو متاثرا لحد بعيد.
عندما فرغ صفقت له وقالت له جميل . ابتسم ابتسامة واسعة اضاءت وجهه لاول مرة تراه مبتسما او ضاحكا
وبدى وسيما لطيفا لا يبعث الى التوتر.. نظرت اليه وفكرت ان الاحزان والمآسي تقتل الفرح داخل الانسان، فماجد توقف عن ممارسة الفرح،.ولذلك صار مبعث قلق لكل من يقترب منه . ولكن حقيقة هو انسان لطيف.
فهو لا يتحدث كثيرا يقضي كل وقته معها مستمعا الى الموسيقى فهو يرفض التواصل و الكلام
لانه يعتقد انه اذا تحدث مع شخص سيخلق علاقة انسانية وهو لا يريد. ان يعرف عنها شئا او تعرف عنه شيئا
راقتها هذه العلاقة فهي علاقة غريبة. تلتقي به تستمع معه الى الموسيقى لا يتحدث و لا تتحدث هي.
وعندما تقول انها ذاهبة يوصلها الى السكن. ويشكرها على الزيارة.. ساعدها كثيرا على تجويد ادائها في
العزف. و عرفها بانواع كثيرة من الموسيقين.. اخبرها يوما ان أمه طبيبة ولكنها عازفة بيانو معروفة
في منطقتها فهي تعزف مع فرقة " مدينتها. كما استمعا معا الى بعض تسجيلات هذه الفرقة
كما شاهدت معه شرائط فيديو للفرقة ورأت امه في سنين عمرها المختلفة وهي تعذف البيانو مع فرقة
المدينة.
هذه هي المرة الوحيدة التى تحدث فيها عن أمه. لاحظت رنة الفخر في حديثه عنها.
عدا ذلك لم يتحدث يوماعن أسرته ولم يسألها عن اسرتها.
انتهى العام الاخير لماجد حيث دعاها لحضور امتحانه . ذهبت وكان كما توقعته
عظيما ورأت الاستحسان في وجوه اللجنة الممتحنة. بعد ان فرغ ذهبت معه الى بيته
وجلسا يستمعان الى المقطوعات الموسيقية. وسالته ماذا ستفعل بعد التخريج
قال لها: لا أدري ربما اذهب الى المانيا لزيارة اختي وجدتي .
سألته: هل ستبقى هناك؟
نظر اليها برهة ثم قال لا أدري.
وعرفت انه لا يريد التحدث في هذا الامر. أحضر لها كتاب به نوت
كثيرة لمقطوعات مختلفة. وقال لها اشتريت لك هذا الكتاب.
نظرت اليه غير مصدقة. وقالت: لكنه كتاب غالي جدا.
تذكرت عندما رأته في معرض للكتاب ووجدت الثمن يوزاي ما يعطى لها
لمدة عام .وترددت في قبول هدية ثمينة مثل هذه. ولكنه أصر انه اشتراه لها
.واذا رفضته ستجرحه كثيرا..
وشكرته من أعماقها..
لا الشجن قادر قادر يسوقنى عليك
.. أعدِّى

تبعته الى سيارته فتح الباب لها ثم دار حول السيارة
ودخل من الباب الاخر..وجلس صامتا.. كانت تحس بأنه يقاوم شيئا.
سالته بلطف لماذا انت هكذا.?!.أنت رجل ناجح و مهذب ولطيف ولكن تصرفاتك غربية
فلماذا لا تكون طبيعيا مثل الاخرين.؟!
صمت لبرهة ثم قال بحزن: لاني ليس مثل الاخرين او بالاحرى الاخرون ليس مثلي.
فلماذا تريدينني ان اكون مثل الاخرين. انا هكذا لا اطالبك يوما ان تكوني مثل اى شخص آخر..
اعتذرت له وقالت: يبدو انك قد أخطأت فهمي. ماجد احس بأنك تعاني لانك تقاوم ان تكون عاديا.
وأحس انك حزين جدا. وانك تستعذب هذا الحزن.
قال لها: انا حزين و وحزين جدا ومكسور من الداخل من تعرفين عمره اربعة وعشرين عاما
كل من يجب ان يكونوا حوله في المقابر.؟! فأنا احس بأنني اكبر شخص عمره 24 عاما.
صمتت وصمت وفجأة احست انه يبكي في صمت
ثم بدأ في التحدث : عندما كنت فى الثامنة عشرة وانا استعد لامتحان الشهادة. ذهبت مع صديق من المدرسة لاخذ كتاب منه وفي نهاية اليوم . كان من المفترض ان يأتي ابي لأخذي. اقترحت امي ان تذهب لزيارة اسرة صديقة
وبعد الزيارة يحضرون لأخذي . في الطرق حدث حادث مات ابي و اخي في الحال و جرحت امي و اختي
ودخلت امي في غيبوبة بعدها اسلمت روحها في اليوم السابع . اختي خرجت من الغيبوبة فاقدة الذاكرة اتت
جدتي لأمي ثاني يوم من الحادث و بقت حتى ماتت امي ودفنت واخذت اختي وذهبت معهم تاركا جدتي لابي التى كان ابي ابنها الوحيد.
عدت بعد شهر لأجلس للامتحان بقيت مع جدتي التى فقدت الرغبة في العيش بعد موت ابي.. كانت لا تكف عن البكاء
وترفض الطعام. لم تفهم كم كنت احتاجها رحلت هي بعد عام من الحادث بقيت وحدي.
لولم اذهب لذلك الصديق لما حدث الحادث.
لم تستطع ان تتحدث فقدت القدرة على الكلام
احست بالم هائل ان ما يقتله اذن هو عقدة الذنب يا الله الرحيم انه يعتقد انه السبب في هذه المآساة]
تبقى أيه الدنيا من بعدك .. تكون
وأبقى أيه بعدك .. أكون؟ 
 
جلسا والصمت ثالثهما. وصوت نشيج خافت ياتي منه. انسابت دموعها..يا لهذه الدنيا الظالمة هناك من يأخذون اكبر جرعة من الالام والاحزان من بقية الخلق
قالت له: يا ماجد الاعمار بيد الله هكذا قدر الله لهم. لو ذهبت الى صديقك او لم تذهب لن يغير هذا شيئا..
قال لها بصوت مشروخ: لماذا فقط اسرتي لماذا كلهم يذهبون؟ ان هناك شئ يخصني يجعل كل من حولي يموتون
حتى جدتي تركتني وحيدا.
ساد صمت كانت محرجة لم تكن مستعدة لتسمع قصة مثل هذه. لم تعرف ماذا تقول له.
هذا الرجل المسكين مسكون بالحزن وعقدة الذنب معا.
وكلاهما يمكنهما ان يقضيا على رجل حساس مثله فما بال الاثنين معا. مدت يدها وضعتها في يده تصلبت يده ثم ارتخت نظرت اليه وقالت: ماجد يجب ان تفهم ان هذه اقدار لا يمكن الهروب منها. هذا ما مقسوم لنا.يجب ان تنظر الى نفسك
وتفهم ان هذه مصائب مثلها مثل اى مصائب تصيب الانسان. ولكن الا ترى
انه ليست هناك اي مساحة للدين والايمان في قلبك
ان تتداوى من هذا الحزن القاهر هو أن تربي هذه المساحة الايمانية في قبول المصائب باعتبارها مقدرة. لا ينكر احد فداحة فقدك.. ولكن حزنك يكبل حياتك ويجعلك خارج عن المألوف.
بصوت خافض حزين قال لها: حاولت كثيرا لكم صليت لله ان يخفف عني الامي هذه، ولكم صلت جدتي ان يصبرنا الله على فقدنا ولكن بعد موتها . احسست
انه لا جدوى من كل شئ.
فقدت الرغبة فى ان اعيش او ارى اي شئ جميل في هذا العالم. أحيانا أحسد أختي انها كمن ولدت من جديد بعد الحادث فهي لا تتذكر اي شئ حدث قبل الحادث
وتعيش حياة جديدة. بدون ماضي حزين وهي الان مثل طفلة في السادسة. لم تتذكرن فقط تعرف انها أختي وتعرف هذه جدتنا ..دائما احس بأن هذه رحمة لها
لانه لا أدري كيف كانت ستحتمل ما أحتمله أنا.
صمتت حائرة ماذا تقول له. قالت له ماجد
اجل سفرك لمدة اسبوع فقط. لان هناك الكثير الذي يجب ان نتحدث عنه. لان الان علي الرجوع الى السكن قبل اغلاق البوابة.
صمت برهة ثم قال لها فاليكن.
خرجت من السيارة وقالت له سأمشي الى السكن
خرج من السيارة وكان حزينا ساهما مكسورا رق قلبها له..مشي معها صامتا وعند الباب توقف
قالت له سأحضر اليك فى البيت .
قال لها: لا تتجشمي المشاق، انتظريني في الشارع الخلفى في العاشرة ساحضر لأخذك.
ثم ذهب. نظرت اليه وفكرت حقا انه أعجز رجل عمره في الرابعة و العشرين رأته في حياتها، لقد تذوق ما لم يتذوقه انسان في السبعين. فإن العمر لا يقاس بالسنوات التي نعيشها ولكنه يقاس بالتجارب التى يمر بها الانسان…
الشجن اللازمني مدة ما بقول فارقني عدا
في الصباح قابلته حسب الموعد الموسوم. فتح لها باب السيارة كعادته جلست لاحظت هالات حول عينيه
وكان يبدو مجهدا. لم تعلق اخذها الى المتحق القومي
حيث هناك كافتريا جميلة. جلس في قبالتها وكان ساهما مترددا ، ثم تنحنح وقال: بالامس لم أنم حتى الصباح. كنت أفكر في كل ما يحدث لي الآن
. ساسافر ثم اعود لارتب حياتي. ساحاول
ان أجد حلا لمخاوفي و احزاني..علي يوما اعيش
حياة عادية.
فكرت انه الان يود ان يتحدث على غير عادته
قررت ان تشجعه لتعرف كيف يفكروقالت:
يجب ان تحاول أن تنظر الى الحياة بمنظار مختلف
الموت حقيقة نتعامل معها يوميا و لكن انت تظن غير ذلك تربطه بذاتك. ان يموت عدد من افراد الاسرة
معا تحدث دائما. فقط عليك ان تنظر الى الامور بصورة عادية. تعرف ان الدين قد قدم تفسيراً لها فى غاية البساطة. وهي ان بموت الانسان يكون قد اكتمل اجله المكتوب له. وهذا الامر غير مربوط بأى رابطة أخرى فقط انتهاء الآجال. فأنت عليك ان تفرق بين حزنك المشروع و سبب هذا الحزن. من حقك ان تحزن حزنا شديداً فمصيبتك كبيرة وفقدك عظيم
ولكن لا يحق لك ان تظن انك سبب هذه الكارثة.
اننى ارى ان الذي يحزنك هو تأنيب الضمير كون ان والديك كانا قد خرجا لأجل اخذك. وهذا غير صحيح
ان أجلهم قد اكتمل بك او بغيرك كان مصيرهم المحتوم ينتظرهم..
نظر اليها برهة ثم قال لا استطيع ابدا أن ابين لك
ما أحس به و ما يحزنني لا استطيع..ولا أعتقد ابدا انك ستفهمين ما امر به.
قالت له بلطف : لماذا لا تجرب؟
اخبرني ما الذي تحس به. ما هو الشي الذي حقا يجعلك تعيسا هكذا..واضافت ضاحكة وغريب الاطوار.
نظر اليها برهة ثم ابتسم كم يبدو وجهه غريبا عندما يبتسم.
: قول لك بصراحة انني خائف.
سألته مماذا؟
من ان أحب شخص او اتعلق به فيموت وتتكرر
أحزاني . بعد موت جدتي كان لدي كلب ربيته منذ ان كان جروا. اعطيته لصديق حتى لا اتحمل عبء فقده اذا فقد.. صرت همي التحرر من عبء اى علاقة انسانية. ولذلك لم اكن اتحدث مع الزملاء خشية ان
تستمر العلاقة وتتحول الى صداقة وبالتالي رباط انساني قد يفقد بالموت.. الآن احس انني متورط في علاقة انسانية معك بقدر ما تسعدني ولكنها تشقيني
اخشى ان افقدك.وتتكرر طاحونة الالم.
نظرت اليه ثم قالت: هل افهم الان انك تريد ان تجد
تبريرا لان تفقد كل علاقاتك وتصير وحيداً?.
وأبقى فى كل المداين
سكتى .. وسفرى الجحيم
نظر اليها مليا وقال لها بحزن: انت لا تفهمين ما اقوله.. حاولي ان تضعي نفسك في مكاني ماذا كنت ستفعلين. كم أتعذب الان. اود فقط ان تفهمي ان هناك شئ يربطني بك وهذا الشيء بقدر ما يعطني سعادة الا انه بقدر المستوى وربما اكثر يرعبني.. اخاف عليك كثيراً.
نظرت اليه: انا افهمك جيداً و اتعاطف معك كثيراً وارى ان هذا الامر غير طبيعياً . انت تغرق في احزانك ومخاوفك ولأجل الا تجرح مرة اخرى
تود ان تكون بعيداً.. ماذا بشأن من يحبونك؟
الا تحس بأنك بابتعادك هذا ايضا ستؤلمهم؟
نظر اليها بحزن: ليتني استطيع ان اجب على هذه الاسئلة لحلت مشكلتي ما يحدث لي لا ارادة لي فيه.
انا لا استطيع ان اقدم لمن احبهم اي شئ غير هذه الاحزان و المخاوف.. يشهد الله حاولت ان اغتنم فرصة ان اتعرف عليك وان احبك عل احزاني تمسح ويطمئن قلبي ولكن بالعكس صرت اكثر شقاءً وخوفاً..
اعطني زمنا اصبري معي ربما استطعت ان اخرج من هذا النفق المظلم. كوني ذلك الضياء في نهاية النفق.وانهمرت دموعه مدراراً نظرت اليه
احست بالشفقة عليه رات رجل يسيطر عليه الماضي
ويلبس نظارة ماضوية معتمة تمنعه من النظر الى المستقبل ربما في نفقه هذا بنظارته هذه لن يستطيع ان يرى الضياء في نهاية النفق..
قالت له: ماجد تحتاج ان تخلد الى ذاتك ان تنقب فيها
وتبحث بجدية عن ماذا يعني لك ان تحب. انت لا تحب الا الاموات و ذا تك. يحزنني ان اقول لك هذا
ولكن كما يقولون الحي ابقى من الميت..اتمنى ان اساعدك اذا رايت جديتك في انك حقا تريد ان تتغير
وتريد ان تبحث عن معاني اخرى غير تلك التي تعيش فيها.. الحقيقة يا ماجد اننا يوما كلنا سنموت.
ولذلك لن يكون مدهشا ان تموت انت او اموت انا
ولن يكون غريبا ايضا.. فأن انا مت لن اموت لأنني اعرفك. ولكن لأن اجلي قد حان.. منطقك المختل يجعلك ترى نفسك سبباً في موت من هم حولك. ربما حساسيتك المفرطة هي التي تصور لك هذا وربما
حزنك المقيم يشجيك ولا تريد ان ترى هذا العالم دون هذا الحزن..
الذي به تكفر عن ذنب ان اسرتك ماتت وهي في طريقها اليك..نظر اليها وقال لها: الان على ان اذهب
وساسافر في الغد .. وسأعود بعد ستة اشهر
وبيننا الرسائل هذا عنواني اعطته عنوانها
اوصلها الى الداخلية.. وكانت هذه آخر مرة تراه
فيها في عشرين عاماُ… ولم يتغير فيه شئ
وحيداً ممتلئاً بالوساوس و المخاوف ولكنه موسيقار
ناجح ومعروف…
يا هوى الألم النعيم
خليك على الوعد القديم
وخلينى فى الشجن الأليم
وأبقى فى كل المداين
سكتى .. وسفرى الجحيم
تبقى أيه الدنيا من بعدك .. تكون
وأبقى أيه بعدك .. أكون؟
عارفنى منك 

No comments:

Post a Comment