Friday 8 March 2013


اطياف البنفسج





موت البنفسج

 :
جلست افرك قدمي المتصلبتين من الوقوف الطويل و أمامي
كوب لبن و وكانت عقارب الساعة تشير الى الواحدة صباحا وقبل أن أرتشف
كوب اللبن رن جرس الهاتف فتجاهلته لأني اعرف لا أحد يتصل هذا
الوقت إلا المستشفى و لكن مرة أخرى رن بإلحاح تبا لهذه الآلة
و رفعت السماعة لينطلق صوت صديقتي منار قائلا: يجب أن تأتى ألان
قلت لها: حرام عليكم يا ناس لقد وصلت قبل نصف ساعة فقط
فردت: منار تعالى و بسرعة تعالى ألان قبل فوات الأوان
وتسارعت دقات قلبي فسألتها ماذا هناك
فقالت لى: تعالى وستعرفين و ووضعت السماعة و ارتديت ملابسى بسرعة
و ذهبت إلى الحوادث و التقيت بصديقتي أمام الباب و كان القلق يباديا فى
حركاتها و أخذتني إلى باب جانبى عادة يقود إلى وحدة يحضر فيها المساجين
للعلاج و بدأت أنفاسي فى التسارع هل ياترى حدث شئ لعصام
فجذبتها من يدها و سألتها : هل عصام هناك لم تقل شئ ووصلت إلى غرفة
الإسعافات ووجدت عدد من الأطباء حول مريض لا يظهر إلا جزء قليل من وجهه المغطى بالضمادات المليئة بالدم و لم أتبين ملامحه و عندما اقتربت وجدتهم يقومون بعملية لتنشيط القلب و قبل أن اعرف شئ جذبتني إلى الخلف يد بقوة حتى كدت أن اسقط و عرفت يا للهول وصرخت روحى صرخات داويه و بدأت أحس بالانهيار و أنني أهوي فى حفرة لا قاع لها عصام ما الذى حدث له لماذا هو هنا هل حاول الهرب تساؤلات تساؤلات تدق فى رأسى كالمسامير و حاولت أن أتمالك نفسى يجب إن أكون قوية يجب ألا انهار و بالفعل تمالكت جماع نفسى وو قفت انظر إلى عصام وهو مسجى لا حول له ولا قوة و فجأة صرخ الطبيب فرحا الحمد لله أنني اسمع دقات القلب وبعد قليل بدأ جهاز القلب فى اخراج اصوات نبض ولكنه ضعيف و بدأ الرسم البيانى فى التعرج و اقتربت منه و ناديته بلهفة: عصام
وأكاد اجزم أنني رأيت اختلافا فى الرسم البيانى و كذلك صوت النبض تغير أذن هو يسمع ولا أدرى من أين أتت لي هذه القوة و صرت اطمأنه و أكد له أنه بخير و كل شي سيصير على ما يرام و مسكت يده و يالهول ما رأيت أصابع دامية مالذى حدث لك يا رمانة قلبى و نظرت إلى الطبيب المناوب متسائلة فأشار برأسه إلى الخارج و تبعته إلى الخارج و أخذني إلى ركن و قال لى ل: لقد احضره رجال عرفوا أنفسهم بأنهم من جهاز أمن الدولة و عندما طالبناهم بالبلاغ قالوا هذا أمر يخص أمن الدولة و لا دخل للشرطة فيه و عندهما رفضنا تقديم أي خدمات له حتى يأتى البلاغ أخبرنا احدهم انه طبيب و بالفعل عندما اقتربنا منه بصعوبة تعرفنا عليه و بالفعل بدأنا فى إسعافه إلى أن يخبر قائد السلاح وسألته كيف حدث له هذا الحادث فنظر إلى بدهشة متسائلا : أي حادث؟
فنظرت أليه بدهشة قائلة: الذى ادخله فى غيبوبة
فرد لا يوجد حادث يا دكتورة هذا حدث جراء التعذيب
فسألته: لا اصدق لماذا يعذب انه فقط كان سكرتيرا للنقابة
فرد الطبيب هذه االاصابات أتت جراء التعذيب أين تعيشين يا دكتورة؟
هذه الأيام نستقبل عدد منهم دائما ولكن هذا أول طبيب إلى ألان انهم يعذبونهم ليعترفوا
فسألته بماذا ؟
فنظر إلى لبرهة و ذهب إلى الغرفة و هناك كان المريض فى حالة مستقرة و بعد قليل أتت صديقتى و جلست قربى و عندما خلت الغرفة كانت تحمل آلة تصوير و صارت تأخذ صور لعصام و رفعنا الغطاء و أصبت بحالة من الغثيان كانت آثار السياط و حروق من الراجح إنها ناجمة عن أعقاب سجائر و بعد ذلك سمعنا طرقا على الباب و فتحت الباب لأجد أمامي قائد السلاح الطبي و تمالكت نفسي و رفعت له التحية واخفت صديقتي الة التصويرو خرجت و دخل الطبيب المناوب و اخبر القائد انهم يحتاجون إلى فتح بلاغ في الشرطة لتكملة الإجراءات و لكن القائد اخبره أن هذا مستحيل و ألان علينا نحاول إنقاذ حياته و اقترب القائد من المريض و صار يفحص بعض الأشياء و ينظر إلى الرسومات البيانية و اخبره الطبيب المناوب انهم ينتظرون صور الأشعة و كذلك يريدون رسم للمخ
و لكن المريض فى غيبوبة منذ حضوره و أن الرجال الذين أحضروه
غير متعاونين حتى نعرف مالذى حدث له
فرد القائد أعطني مهلة أعرف مالذى حدث و خرج و بعد نصف ساعة أتت
صور الأشعة لنجد أن المريض لديه عدة كسور فى مناطق مختلفة و بينما كنا
ننظر إلى الصور بدأ جهاز القلب فى اصدار صوت إنذار و هرعنا للمريض
فى محاولة يائسة لإنقاذه و كنت
اعرف انه يقاتل من اجل حياته و لكن هيهات و أعلن الطبيب المناوب موته و
مادت الدنيا بى و استسلمت لا أريد أن استيقظ أبدا فى عالم غيب منه عصام .
نشوة البنفسج

كان ذلك فى زمن أراه ألان بعيدا ربما قبل عشرات السنين وربما كان
بالأمس و ربما لم يحدث بعد كان الصباح باهرا و خرجت أتمشى على ساحل البحر
انظر إلى زرقة السماء و البحر يلتقيان هناك فى مدى الرؤية و كأنه مرآة و لكن لا
تستطيع أن تميز أيهما الحقيقة والخيال و أنا مغموسة فى لحظة الاندهاش
هذه أبصرته يأتى من الناحية الأخرى و بنطاله مطوى لعند الركبة و يرتدى فانلة و عندما و قع بصره على بسرعة انحنى ليرجع بنطاله و عندما اعتدل واقفا كنت قد وصلته فرحب بى و قال لى ضاحكا: مالذى أتى بك فى هذا الصباح إلا تخشى على شعرك من التجعد؟
ونظرت أليه بدهشة فقال لى انه سأل أحد الطالبات لماذا لا يذهبنا إلى البحر فأخبرته
بأنهن يخشين على شعورهن من التجعد
وضحكت و قلت له :لا يمكن أن أضحى بألا أرى هذا الإشراق من اجل شعرى
و جلسنا هو على حافة الماء و أنا قليلا بعيدا عن الماء و ران الصمت بيننا و كنت
انظر إلى السماء حيث عدد من الطيور بدت و كأنها تقدم عرضا تشكيليا و كان
فقط صوت الماء و الطيور معزوفة إلهية لا يمكن بإفسادها بصوت أنساني و جلسنا
لبرهة نتملى هذا الجمال الباهر و نظرت إليه كم يبدوا وسيما و كأنه جزء من
هذه اللوحة الرائعة منذ فترة و نحن أصدقاء و كم أرقنى شعورى نحوه ولكن هو
هكذا هذا النوع من الناس الذين دائما يعطون من يعرفهم إحساس انهم جد مهمين
له و كنت أراه مع عدد من البنات يعاملهن معاملة تحسبها خاصة و لذلك كنت
أتتجنبه كثيرا و فجأة قطع حبل أفكاري قائلا: هذا صباح جميل جدا أنا آتى هنا
أنظر شروق الشمس و عادة أكون وحدى أنا سعيد بأنك اليوم معي و شكرته
على مجاملته فأردف قائلا أكون صريح معك لقد كنت أفكر فيك و عندما ظهرتى
لى كنت أظن أننى احلم ألان أحس و كأننى احلم و تسارعت دقات قلبى و فجأة أتت
موجة كبيرة و غمرته بالماء فتراجع إلى الخلف و هو يضحك و صار يجلس قربى يكاد
كتفه يلامس كتفى و نظر إلى و راعنى قربه منى فجأة وجدت عيناي مسمرتان فى
عينيه بسرعة أدرت وجهى إلى الأمام فصمت قليلا ثم قال أقرأ ىهذا
و كتب بالانجليزية على الرمل uoy evol I.
فقلت له لا أفهم !
: اقرأيها من اليمين إلى الشمال
و عندما فعلت و جدتها احبك و الجم لسانى لم استطع أن أقول شئ لفترة
طويلة تمنيت أن يقولها لى و ألان بدون مقدمات ها هو يقولها لى و أنا لا
أستطيع أن أقول له شئ و فجأة أتت موجة عالية أخرى و مسحتها و
أنا أحدق غير مصدقة و فجأة وقف و قال: أنا اكتب و البحر يمسح و
مد لى يده بتلقائية ليساعدنى على الوقوف و عندما و قفت لم يترك يدى
و أنا لم اسحبها و مشينا فترة و يدى فى يده و أحسست أننى ملكت العالم
و كذلك لا أخشى إذا شاهدنى أحدهم و يدى فى
يده فنظر إلى و قال: أنت أمراة غامضة و لا تتحدثين كثيرا اليس كذلك؟
ونظرت اليه و قلت له: بالعكس أنا واضحة جدا و لكن حقيقة قد فاجأتنى
ونظر لى برهة ثم قال: اهى مفاجأة سارة ام غير سارة؟!
قلت: فقط مفاجأة .
: كنت اعتقد انك تعرفين شعورى تجاهك!!
و كنا الان قرب بيت الضيافة فترك يدى و مشينا سويا و دخلنا
لنجد عدد من الطلاب يشربون الشاى و ذهبت إلى غرفة الطالبات
و استلقيت على فراشى وكنت خائرة القوة فأغمضت عينيا و صرت ا
سترجع تلك اللحظة فى ذلك الصباح الباهر الذى لا أعرف ألان هل هذا حقا
حدث فى الماضى البعيد أم فى الحاضر أم فى المستقبل و تشظت روحى و تكسرت
إلى آلاف الوحدات .
غياب البنفسج :
عصام و أنا و أنا وعصام شئ واحد هكذا كنت أحس لا شئ يفرقنا
نقضى كل أوقات فراغنا معا أينما تجده تجدنى و أينما يكون أكون إلى أن حدث
الانقلاب العسكرى الذى قبله بقليل كان قد عقد قراننا لحين اكمل تدريبى
و نكمل مراسيم الزواج و اعتقل عدد كبير من الناس و كل اللجان النقابية
و كان عصام سكرتير نقابة الأطباء و شق على عدم رؤيته و كأن عالمى
قد بتر و قطع
و بكيت ليلتها حتى جفت الدموع و حاولت أن اعرف أين ذهبوا به و لكن
كل المحاولات لم تفلح إلى أن أتى شخص يحمل لى رسالة قصيرة منه يخبرنى أنه
بخير و يفتقدنى بشدة و هو لا يدرى متى يستطيع أن يكتب لى مرة أخرى
و طلب منى أن أعدم هذه الرسالة لانه ممنوع أن يكتبوا لأى شخص و
لكن لانه يعرف أننى سأكون قلقة عليه جازف و كتب تلك الرسالة و بعدها
مر اكثر من شهر و أنا لا أدرى عنه شئ و كان الحزن يأكلنى و أيامى دونه
خالية و صارت سلوتى هى ذكرياتى اجترها و كأنها شريط سينمائى وكل
شئ يذكرنى له الشوارع و الأشجار و الحافلات ولكن كان كل الناس
يقولون لى من المؤكد سيطلق سراحهم قريبا و هذا ما يحدث فى كل الانقلابات
عندما يستتب الأمن يطلق سراحهم و كنت أعيش على هذا الأمل و بعد مرور
اكثر من ثلاثة اشهر استلمت رسالة أخرى منه و كانت حزينة و يخبرنى
انه يعيش على الذكريات و أنه كان يظن أن الأمر سينتهى بسرعة ليعود
هو مرة أخرى لى و بكيت ليلتها خوفا عليه و شوقا له . .
أشراقة البنفسج
كان ا الليل يلف بمعطفه الدنيا و كان عصام يجلس فى كرسى فى
منتصف الحديقة وهو عاقد يديه فى صدره و ينظر إلى الأمام و انا اقترب منه لم يغير
جلسته و بدى و كأنه لا يرانى لوحت له و لكن كان مستغرقا فى التفكير أنا أخطو
إلى الأمام و لكن المسافة بينى وبينه تتباعد و أنا ألوح له و لكنه لا يرانى و ركضت نحوه
و صرخت بأسمه و لكن لا الركض يقربنى له و لا صوتى ينبهه إلى وجودى و صرت
اصرخ باسمه ولكنه لا يسمعنى أناديه وهو لا يسمعنى اركض نحوه و لكن لا اصل أليه
و خوفى يأكلنى لماذا أنت بعيد هكذا لماذا لا ترانى يا رمانة قلبى و بكيت من اليأس و
الاحساس بالخيبة ملأنى فسقطت على الأرض وعندها رأ يت يده تمتد لى مثل تلك
المرة عند شاطئ البحر عندما ساعدنى على الوقوف و عندما مددت يدى
له بدأت فى السقوط إلى هوة عميقة و أنا أهوى و أناديه و أناديه إلى أن
بح صوتى و هو يمد يده و لكن لا يلحق يدى و أنا أبكى و اصرخ و استنجد به
و فجأة سمعت صوت ينادينى منار قولى بأسم الله و استيقظت من هذا الكابوس
و فرحت أنه كان كابوس و صارت دموعى تسيل دون توقف ماذا يعنى هذا الحلم؟
لقد قال لى رمانة قلبى أن الانسان عندما يحب شخص يكون هناك رباط
روحى بينهما و عندما تركز ذهنك فى تذكر ذلك الشخص يمكن أن تنقل له أفكارك
و ضحكت عندما قال لى ذلك و أعتبرتها طرفة فقال لى : أتذكرين عندما آتيت إلى
شاطئ البحر دون ميعاد فقلت له نعم فقال: لقد ركزت روحى عليك و فجأة
رأ يتك أمامى هكذا يحدث الحدس و ضحكت مرة أخرى غير مصدقة
و قلت له: هذه تسمى صدفة و الصدفة فى الحقيقة اجمل من ألف ميعاد
كما يقول ذلك المغنى .
هل ياترى رمانة قلبى يذكرنى كما أذكره ؟و هل تعذبه هذه الذكرى كما تعذبنى؟
وهل يشتاق إلى كما اشتاق اليه ؟
آلاف الأسئلة و لكن لا أجد إجابات لها ربما اعرف عنه شئ فى الغد فأنا
ممتلئة به و خياله لا يراوحنى .
خوف البنفسج :
اليوم مرت ستة اشهر على اعتقاله و لا خبر عنه هكذا وكأنه
خارج العالم و صار الخوف يملأنى على الرغم من انه لا تمر لحظة و إلا اذكره أو
بالأحرى فأنا لا أنساه حتى اذكره دائما على بالى و لكن اشد ما يرعبنى أننى
أحيانا افشل فى استرجاع وجه رمانة قلبى و أطيل التفكير و لكن دون
جدوى يستعصى على استرجاع ملامحه فأستعين بصورته التى احملها فى
حقيبتى حتى فى احلامى لا أرى وجهه .
اليوم قررنا عدد من اسر المعتقلين أن نكتب للنائب العام عن المساجين السياسيين
المعتقلين دون توجيه تهمة محددة لهم و قد كتبنا عريضة و فيها ذكرنا أن
فى اعتقالهم دون تهمة موجهة و محاكتهم يعد تعدى على حقوقهم المدنية
التى يكفلها الدستور و الأعراف الدولية.
وذهبنا مجموعة كبيرة من الاسر و سلمنا تلك العريضة للنائب العام و
ترجمناها إلى الانجليزية و أعطيناها لمندوب الأمم المتحدة
و عندما قابلت عدد من الأسر الأخرى أحسست بأننا ليس وحدى بل
هناك عدد كبير من الأسر تعانى مثلى تماما سألتنى أحد السيدات عن رمانة
قلبى فقلت لها: أن زوجى معتقل و رنت فى ذهنى كلمة زوجى فملأنى
الفخر أن أكون زوجة لرجل فقد حريته من اجل الآخرين أن غدا لناظره
قريب يوما ما سيخرج رمانة قلبى و يصبح حرا يجب
انلا يموت الأمل فى دواخلنا فمن أنا بغير هذا الأمل

No comments:

Post a Comment